السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جاء في تفسير (الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية))، الجزء(4):
قال المؤلف الشيخ العراقي عبدالله خضر حمد-وفقه الله-:
وفي قوله تعالى قوله تعالى: {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [البقرة: 202]، وجوه من التفسير (2):
أحدها: أن المعنى: أن الله سريع المجازاة للعباد بأعمالهم.
والثاني: أن المعنى: لا يشغله شأن عن شأن، فيحاسبهم في حالة واحدة، كما قال وقوله الحق: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان: 28].
قال الحسن: "حسابه أسرع من لمح البصر، وفي الخبر "إن الله يحاسب في قدر حلب شاة" (3).
والثالث: أنه إذا حاسب واحدا فقد حاسب جميع الخلق.
وقيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: " كيف يحاسب الله العباد في يوم؟ قال: كما يرزقهم في يوم" (4).
والرابع: وقيل: معنى الآية سريع بمجيء يوم الحساب، فالمقصد بالآية الإنذار بيوم القيامة.
قال القرطبي: "والكل محتمل، فيأخذ العبد لنفسه في تخفيف الحساب عنه بالأعمال الصالحة، وإنما يخف الحساب في الآخرة على من حاسب نفسه في الدنيا" (5).
وقد ذكر ابن عثيمين، في تفسير: السرعة في الآية وجهان:
أحدهما: سرعة الزمن: بمعنى: أن حساب الله قريب، كما في قوله تعالى: {وما يدريك لعل الساعة قريب} [الشورى: 17]، وقوله تعالى: {وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً} [الأحزاب: 63].
والثاني: سرعة محاسبة الله للخلق: أي أن نفس حسابه سريع.
قال ابن عثيمين: " والثاني أبلغ؛ فإن الله عزّ وجلّ يحاسب الخلائق كلها في يوم واحد، ويعطي كل إنسان ما يستحقه من ذلك الحساب؛ ومحاسبة الله للخلائق على نوعين؛ النوع الأول للمؤمنين؛ والنوع الثاني للكافرين؛ أما حساب المؤمنين فإن الله سبحانه وتعالى يخلو بعبده المؤمن، ويقرره بذنوبه، ويقول له: «عملت كذا في يوم كذا» حتى يقر ويعترف، فيقول الله عزّ وجلّ له: «قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم» (6)؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من نوقش الحساب عذب؛ فقالت عائشة: يا رسول الله، أليس الله يقول: {فسوف يحاسب حساباً يسيراً} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك العرض» (7)؛ أي تعرض الأعمال على الشخص حتى يقر؛ فإذا أقر بها قال الله تعالى له: «سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم»؛ وأما غير المؤمنين فإنهم لا يحاسبون كذلك؛ وإنما الأمر كما قال شيخ الإسلام: لا يحاسبون حساب من توزن حسناته، وسيئاته؛ لأنهم لا حسنات لهم؛ ولكن تحصى أعمالهم، وتحفظ، فيوقفون عليها، ويقررون بها، ويخزون بها؛ يعني: وينادى عليهم على رؤوس الخلائق: {هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: 18] " (8) (9).
-----
الهوامش:
(2) انظر: تفسير القرطبي: 2/ 435. وتفسير الكشاف: 1/ 249. ولم يذكرا للحديث راويا ولا تخريجا.
(3) انظر: تفسير القرطبي: 2/ 435. وتفسير الكشاف: 1/ 249. ولم يذكرا للحديث راويا ولا تخريجا.
(4) انظر: تفسير الثعالبي: 1/ 159.
(5) تفسير القرطبي: 2/ 435.
(6) أخرجه البخاري ص 192، كتاب المظالم، باب 2: قول الله تعالى: (ألا لعنة الله على الظالمين)، حديث رقم 2441؛ وأخرجه مسلم ص 1158، كتاب التوبة، باب 8: في سعة رحمة الله تعالى على المؤمنين وفداء كل مسلم بكافر من النار، حديث رقم 7015 [52] 2768.
(7) اخرجه البخاري ص 548، كتاب الرقاق، باب 49: من نوقش الحاسب عذب، حديث رقم 6536.
(8) تفسير ابن عثيمين: 2/ 436 - 437.
(9) تعددت أقوال المفسرن في معنى قوله تعالى: {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}:
فقيل: أي يحصي ما يحصيه بغير كلفة ولا تكلف، وليس مثل ما يتكلف له بنو آدم من العقد وغيره.
وقيل: معناه: يحاسبه بغير تذكر ولا كتاب.
وقيل: معناه: مجاز للفريقين على أعمالهم.
وقيل: معنى: " السرعة ": أنه يغفر السيئات ويضعف الحسنات بلا حساب على من فعل به ذلك ولا كلفة. (الهداية إلى النهاية في علم القرآن وتفسيره: أبو محمد مكي بن أبي طالب: 1/ 270).