أصبحت فكرة الرَّغبة في الوصول إلى الأفضليَّة والكمال من الأفكار المطروحة بقوة في عصرنا هذا،
سواءً كان ذلك في المكتب، أو في البيت مع الأطفال، أو في العلاقة مع الزوجة أو الزوج،
كما أنَّ فكرة جودة الأداء أصبحت حتميَّة لدينا، فثقافة جودة الأداء جعلت منَّا باحثين عن الكمال،
ساعين إلى الوصول إليه بأيّ ثمن، وجعلتنا نضع معايير للسعادة يستحيل الوصول إليها،
ما أدى بنا إلى سلسلة من الإحباط لا يمكن مقاومتها.
لذلك يقول جول فرانسوا، وهو أستاذ في السيكولوجيا الإيجابيَّة في كتابه "تعلّم ألا تكون كاملاً":
"يمكن التخلي عن السعي إلى الكمال، وعلى الفرد تقبُّل ما تقدِّمه له الحياة، والاستفادة من الجانب الإيجابيّ من ذلك".
في هذا الموضوع يطلعكِ على ما قد يوصلكِ إليه سعيكِ للكمال والبديل الأنسب لذلك.
هل أنتِ ساعية للكمال؟
إذا أردتِ تقييم نفسك من حيث مدى حرصكِ وسعيكِ للكمال، فاعلمي أنَّ الساعي إلى الكمال يريد دائماً أن يكون الأفضل،
وأن يُبيِّن أن أداءه لا يُضاهَى، وكل ما يهمه هو النتيجة، هذا الشَّخص يتمسَّك برؤيته المثاليَّة،
فهو لا يعترف بالعيوب والنقائص والمستحيل.
رغبته القوية في أن يسيطر على كلِّ الظُّروف تعطيه إحساساً بأنَّ ما يعتقده حقيقة واقعة لا لبس فيها،
ولكن في أعماقه فهو دائماً يعاني من الخوف من عدم تحقيق أهدافه غير الواقعيَّة التي يضعها لنفسه.
سعيكِ للكمال يسبب التعاسة
إذا كنت من الساعين إلى الكمال، فإن من أكبر الأخطار التي تحدق بك، أنَّك تضعين دائماً أهدافاً غير واقعيَّة لا يمكن تحقيقها،
وهذا التصرُّف يجعلكِ تعيسة دائماً، وبالتالي لن تستفيدي من نجاحك؛ لأنَّك لن تشعري بالرضا عنه في أغلب الأحيان،
وبمجرَّد أن تحققي نتيجة تبدئين فوراً في السعي إلى الوصول إلى هدف آخر، وكذلك شعور مرضيّ بعدم الرضا والإحباط الدائمين.
من جهة أخرى، كونك تعيشين في عالم مثاليّ حيث لا وجود فيه لأفكار مؤلمة، يجعلكِ ذلك تنكرين الحقائق السلبيَّة والمؤلمة،
وتدفعين ثمن ذلك غالياً من حالتك النفسيَّة بين قلق وإحباط، كما أنَّ الخوف من الفشل سيهددك
بشكل دائم كأنَّه شبح، وكأنَّه ظلك الذي لا يمكنكِ التخلُّص منه.
السبيل إلى التوازن بين الكمال والواقعيَّة
هناك نقطتان يمكنكِ من خلالهما تحقيق حالة من التوازن السلميّ ببساطة، وهما:
1. تقبَّلي واقعكِ: الرَّغبة في تحسين الوضع هي جزء من الطَّبيعة الإنسانيَّة، وهي صفة مفيدة في أغلب الأحيان،
لكن إذا كانت الرَّغبة أقوى من اللازم وتجاوزت الحدود، فإنَّها تضركِ أكثر مما تفيدكِ.
2. أحبي حياتك: كونك لا يمكن أن تكوني كاملة هو أمر يرتكز على فكرة أساسيَّة، ألا وهي:
أن تتعلَّمي كيف تحبين حياتك بدلاً من أن تتذمرين منها باستمرار، وحسب دراسة أجراها العالمان
في السيكولوجيا، روبير ديمون وميشيل ماكولو، فإنَّ الأشخاص الذين يكتبون كل يوم خمسة أشياء صغيرة
كانت أم كبيرة، يشكرون الله عليها، ويُبيّنون امتنانهم لأنَّهم ينعمون بها، يكونون أسعد من غيرهم من الناس؛
لأنَّهم يطورون نوعاً من الإحساس بالامتنان والرضا.